الاثنين، 3 أغسطس 2015

صباح الخير من أمريكا

صباح الخير يا حلوتي..

صباح الخير من أمريكا، لافييت- لويزيانا تحديدا..
نحن الآن صباح الإثنين، ووصلنا لمنزل عمر مساء الاربعاء، قضينا الخميس الجمعه معظمهم في النوم ومحاولة التغلب على إرهاق السفر وفروق التوقيت، ورغم الارهاق، خرجنا خلال اليومين في جولات سريعة حول المدينة الصغيرة، على عكس العادة كانت عيون الاستكشاف في البداية اصغر ولكنها بدأت في الاتساع –لدي على الاقل- مع مرور الوقت، ربما بعد غياب الارهاق تدريجيا واستيقاظ الشغف والحماس من جديد.

أقول من جديد لأن الوقت الأخير في مصر كان شاقا وكئيبا ومحبطا، دعينا لا نتهم مصر، ونعيد صياغة الجملة من جديد، في الوقت الأخير كنت أشعر معظم الوقت بالمشقة والكآبة والإحباط، ربما كان السبب قلقي من السفر وتوتري بسبب القرار والخطوة وخوفي من مشقة الرحلة، وربما كان شعوري بالروتين السخيف وضيقي مؤخرا من العمل.. لا أعرف تحديدا، ولكني في اليومين الأخيرين بدأت ألحظ في نفسي من جديد رغبة في الاستكشاف والتحليل وعينا تلمح التفاصيل هنا وهناك.. وهو ما أسعدني جدا، وشجعني لمعاودة الكتابة والتدوين، ربما لأن الوضع هنا يساعد على استرخاء وهدوء أكبر، مع القليل جدا من المسئوليات، أو لنقل.. لا مسئوليات.

الإنفلونزا تلازمني منذ وصولنا، وبين نوبات انسداد الأنف والرشح والخنف، أشعر بجسمي متذبذبا في الاستقرار على درجة حرارة تناسبه، أشعر معظم الوقت بالحر الشديد أو بالبرد الشديد، أو بكلاهما في نفس اللحظة، الأمر مؤلم ومحير، وينتهي بي عادة في الفراش أحاول الاسترخاء بعد رحلة العناء والبحث عن درجة الحرارة المناسبة!

نسكن في Acadian garden وهو مجمع هادئ وظريف جدا، به حمام سباحة أستطيع أن أراه من نافذة غرفتي، لم أستخدمه بعد، ولكني أقرر كل يوم أن أجربه وبحلول العصر يكون الكسل قد أخذ اليد العليا.

 في اليوم الأول تناولنا الغذاء في مطعم مكسيكي روحه خفيفة وتشيع به الحماسة، لم تكن قراءة "منيو" الطعام أو التواصل مع الجرسون بالصعوبة التي توقعتها، كان الأمر مرح ولطيف جدا، ذهبنا بعدها إلى Walmart وهو سوبر ماركت كبير واسع المساحة تبلغ مساحته على الأقل أربعة أضعاف أمثاله في مصر، شعرت بالضيق منه، لأني كنت مجهدة من ناحية، ولأني لم أعرف معظم الماركات وحتى لم تتبين لي هوية البضائع، وحال الإرهاق دون توفر شغف كاف لاستكشاف كل هذه الأقسام والأرفف مترامية الأطراف عديمة المعنى، قضينا أكثر من ثلث ساعة نبحث عن حليب كامل الدسم!، الأنواع كثيرة جدا وكل منها له خاصية ما وكلهم بلا استثناء غير مفهومين بالنسبة لنا.

في اليوم التالي ذهبنا في جولة سريعة أخرى لمحلات قريبة، بدأت في استكشاف ملابس تناسبك، ملابس البنات مبهجة حد البكاء، أمسك القطع في دهشة من حجمها وأنا أتخيلك، وأقول لنفسي "هل هي بيضاء أو سمراء..؟"، "أي الألوان سيليق بها أكثر؟"، أستكشف المحلات وأنتظر وقت التخفيضات بعد أسابيع قليلة للانقضاض على كل ما يليق بك يا حلوتي المنتظرة بشغف.

يوم السبت ذهبنا إلى سوق أسبوعي يعرض فيه الفلاحين منتجاتهم ومصنوعاتهم اليدوية، وتعرض فيه السيدات ما تصنعه أيديهم من أصناف الكيك والكوكيز والمربى والصوصات المختلفة، يقام السوق في وسط مساحة خضراء شاسعة، كان مزدحما بالأسر التي تشتري الفاكهة والعصائر الطازجة وبعض الكيك أو الفشار، وتذهب لظل شجرة فتجلس وينطلق الأطفال للعب في المحيط الاخضر الواسع، الأمر بهذه البساطة وهذه البهجة، أسر صغيرة معها الكثير من الأطفال يقضون نهاية الأسبوع منذ ساعات الصباح الباكرة في مكان مفتوح وهادئ وأخضر ليس له تذكرة دخول ولا حد أدنى للطلبات!

مساء ذهبنا إلى المركز الإسلامي حيث تعرفنا على أسرة لبنانية وثلاث أسر مصرية مقيمة بالمدينة، التي يبدو أنهم يشكلون بها الجالية العربية!، كانت سهرة قصيرة ومفيدة جدا في استيضاح خطواتنا الأولى هنا، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية وإجراءاتها تمهيدا لوصولك المرتقب.


أفكر في الالتحاق بكورس لليوجا، أو آخر للكتابة الإبداعية، ولكني لم أقرر بعد.. أرجو في رسالتي التالية أن أكون قد ابتعدت عن هذا الاكتئاب خطوات محترمة، بدلا من الاقتراب منه بكل هذا الثبات!

أحبك

الثلاثاء، 28 يوليو 2015

سفر


صباح الخير يا تفاحتي الصغيرة

استيقظت اليوم مبكرا بسبب أحلامي المتوالية وقلقي المسيطر عليها من السفر. نعم، أسافر اليوم مع أمي وتقى إلى خالك عمر في أمريكا، حيث نوينا أنا ووالدك أن تكون ولادتك هناك، ولا أخفي عليك أن هذا القرار لم يكن همه فقط تقديم رعاية صحية أفضل لي ولك، ولكن لأننا غير واثقين تماما من جرأتنا في أن نتخذ لك قرارا بالعيش في مصر فقط، دون أي بدائل أخرى، ربما نخشى أن تتهمينا بالإهمال والأنانية أن قررنا استقبالك في هذه الدنيا في هذا الوقت الصعب بالذات من عمر البلد.

لا أعرف كيف سيكون الوضع وأنت تقرأين هذه الرسالة – إذا قرأتها يومها- ولكن الوضع في مصر في السنوات الأخيرة مؤلم جدا ومربك يا تفاحتي، الوضع هنا يغذينا فقط بمشاعر العجز والقهر وقلة الحيلة، أمك التي اعتادت بين صديقاتها أن تكون مصدرا للأمل والتفاؤل والابتسام، لم تعد ترى في الأمل بغد أفضل هنا سوى سذاجة وطفولة وبراءة يفع لا تقوى عليها، وتزعم أن الهروب هو الحل الوحيد.

أتذكر كيف كنت أردد في صحبتي أن الواقع صحيح مؤلم وبائس، ولكنه لا بد من مبادر يسعى لتغييره، وأننا إذا فكرنا جميعا بمنطق المبادر الساع إلى التغيير، لحدث التغيير فعلا في وقت أقل، ولاستطعنا أن نوفر لأبنائنا ما لم نستطع أن نعش فيه نحن من خير وجمال. ذاك الجمال الذي بات عزيزا في مصر يا حبيبتي.

 نسكن الآن في حلمية الزيتون، وهو حي مزدحم جدا، تطاردنا على مدار شارع واحد ثلاثة أكوام كبيرة من تجمعات القمامة، نعم في الشارع فعلا وليست في صناديق ولا حتى خرابات قديمة، في الشارع تماما حيث من المفترض أن أسير، وأن أحملك، وأن نتنزه وأن تكون سيارتنا – التي لا تتحرك أبدا بسبب الخنقة المرورية – وحيث يجب أن أبدا معك وأنهي كل مشوار لنا أو نزهة. الشوارع مرهقة جدا يا عزيزتي، لك أن تتخيلي مقدار القلق الذي يسيطر علي في رحلة الحمل هذه خلال كل مرة أخرج فيها، وأنا أمسك بطني وأدعوك للتشبث بي وبها في مواجهة كمية غير منطقية ولا مبررة من المطبات والحفر في الشوارع.. ستعتقدين أن الشارع كان مدكوكا أو حجري وغير مرصوف، ولكن هذا غير حقيقي أبدا، نحن نسكن في قلب المدينة! في السنوات الثلاثة الأخيرة تم إعادة رصف الشارع هذا أكثر من 5 مرات.. ولا علاقة لهذا أبدا بالحفر والمطبات والنقر التي تغذي الطريق، وكل طريق في هذه المحروسة.

أنا أخاف عليك، وأخاف علينا أيضا.. نتمنى أن نهرب جميعا من هنا، أن نبدأ حياة جديدة في مكان أفضل، يوفر لنا جمالا وأمانا بتكاليف نفسية أقل، لكن يا تفاحتي قلوبنا عالقة هنا رغما عنا! عالقة بكل ما في الكلمة من معنى ولا أدري إن كان هذا سوء حظ وخيابة أم أنها قلوبنا –سامحها الله- التي لا تهون عليها العشرة. يقول أباك أننا أصبحنا أكبر –سنا- من البدايات الجديدة في أماكن جديدة، وأن وقت هذه المغامرة قد فات، ويناسب أكثر أجيالا أصغر منا، ولكنه يكذب، وهو يعرف أنه يكذب.. لأنه ببساطة عالق أيضا.

نحن عالقين هنا بأهالينا وأصحابنا، بهذا الدفء الذي نسخر منه ونحن نعلم انه في كل دائرة صغيرة من دوائرنا هارب أو معتقل أو يائس أو محبط أو عاطل. عالقين بالأماكن والذكريات والأحلام، عالقين بالبدايات التي بدأناها، وبالخطوط التي رسمناها لحياتنا حتى وإن أحبطت وفشلت ولم تكتمل، عالقين بالمسئولية والضمير والهم الذي لا يغادر أكتافنا، عالقين بالآخر الذي نفكر في خلاصه مثلما نفكر في خلاصنا، ألم أقل لك أنها خيابة وسوء حظ!

نسيت أن أخبرك، نفكر أن نسميك "بهية"، منذ تلك اللحظة التي اقترحنا فيها الاسم نكرر سماع الشيخ إمام يغني "مصر يا أمه يا بهية.. يا أم طرحة وجلابية.."، أربت عليك في بطني وأنا أردد معه:
"الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية
جايه فوق الصعب ماشية فات عليكي ليل ومية
واحتمالك هو هو وابتسامتك هي هي
 تضحكي للصبح يصبح
بعد ليلة و مغربية
 تطلع الشمس تلاقيكي معجبانية وصبية
يا بهية"

ندرك تماما رمزية الاسم، ونفخر بها ونصر من أجلها عليه، يذكرنا أصحابنا: "أي تناقض هذا.. تولد في أمريكا طمعا في جنسية أجنبية وتسمى باسم يرمز لمصر". نتردد قليلا، ثم نوافق سريعا على تناقضنا، نعم نحن متناقضون، ونتصالح مع تناقضنا هذا ونحن ندرك أننا نمنح أنفسنا الحد الأدنى من المسامحة الذي تستحقه وسط كل هذا الصخب والصراع والهروب المؤجل.

هل تلمسين في نبرتي شعورا بالذنب؟ لا أستطيع أن أنكر، أنا أشعر بالذنب فعلا، كنت أحب في زمان آخر أن أعلمك حبا أكبر وانتماءا أعمق للمكان، وأن أحقق بك أسطورة الشعلة، تلك رمز العمل والهمة والأمل والتي يسلمها الجيل للذي يليه في إشارة على استكمال مسيرة البناء والسير إلى الأمام. كل ما في الأمر أن شعورا يسيطر علينا هنا أننا نحرك أقدامنا في نفس المكان، نبذل مجهودا كبيرا دون أن نتحرك خطوة إلى الامام، أقول هذا في محاولة لتجنب ذكر حقيقة أننا بالفعل نسير إلى الخلف!

تلك الخيبة التي نشعر بها هي كل ما نفكر في تجنيبك إياه!، نفكر كيف يمكن أن تكون فرص تعليمك أفضل من مكتب تنسيق يقرر مجال دراستك، او سنوات دراسة جامعية لا علاقة لها أبدا بسوق العمل وحقيقته واحتياجاته، أو دراسات عليا يضيع فيها وقتك لإرضاء مشرف هنا وتملق مناقش هناك (ربما لا تعرفين أنه عند مناقشتي لرسالة الماجستير اشتريت بأمر من الأستاذة المشرفة عليّ 20 كيلو سمك بلطي هدية للدكتور الذي أتى لمناقشتي، بحجة أنها هدية تقديرية لمشواره من محافظته البعيدة، أعرف أنه الآخر ضحية نظام لا يقدر علمه ولا مجهوده، ولكن..!!) . نفكر أننا نريد لك جمالا متاحا في الشوارع والحدائق، ورعاية صحية لا تستهر بروحك وتحسبك مجرد عدد بين آلاف آلاف المرضى الغلابة هنا، أستطيع أن أؤكد لك أنه في أي حالة طارئة احتمالات وصول عربة الإسعاف لمحتاجينها احتمالات ضبابية جدا، لا يمكن أبدا الثقة بها.

أحكي لك كل هذا لأخبرك لماذا لم نرحل جميعا –حتى الآن على الأقل-، ولأبرر لك قرار سفرنا لولادتك بالخارج والذي لا أعرف كيف سيبدو لك حينما يسمح لك عمرك بمناقشتنا فيه. نحن هنا يا حبيبتي لأن قلوبنا عالقة بالأماكن والأهالي، وضمائرنا عالقة بالمسئولية الأزلية، نحن هنا رغم كل التكاليف المؤلمة، وهو اختيارنا، اختيار الوقت والمرحلة، هذا كل ما أعرفه. أما سفرنا بك فيمكنك اعتباره احتياط واجب، أو إجراء احترازي، أو خطة بديلة، أو احتراما لاختيارك الذي لا أعرف أبدا كيف سيكون، والذي أعذرك تماما لو جاء مخالفا لاختيارنا.

ما أعرفه تماما أننا سنبذل جهدا جهيدا لتزكية شعورك بالمسئولية نحو نفسك ونحو المكان، ونحو الآخر، ربما لأننا لو لم نفعل لسقطت جلودنا عن وجوهنا من الخزي.  سنخبرك أن بداخلنا مساحة تناقض ولدها العجز وقلة الحيلة، وأن توسيع دائرة اختيارك كان أضعف الإيمان من ناحيتنا، سنبذل جهدنا لاحترام قرارك واختيارك، تماما كما نتوقع منك أن تتفهي اختيارنا، وتتقبلي أعذارنا.

مع حبي وشوقي الكبير لك..
ماما.



الأربعاء، 15 يوليو 2015

دعاء..

حبيبتي

أعرف أني قصرت في الكتابة لك، كنت أتمنى عندما علمت بوجودك داخلي أن أكتب لك كل يوم، أو على أقل تقدير كل أسبوع.. أحكي لك ما يدور بداخلي منك، ومن حملك، لكن الوهن غالبا هو ما أعجزني..

نحن الآن نقترب من نهاية الشهر السادس، في المجمل أستطيع أن أقول أن هذه الفترة من الرحلة مرت بسلام والحمد لله، أكثر ما أزعجني خلالها آلام العضلات والمفاصل التي تربصت بي في نهايات الشهر الرابع، توقع الجميع أن يكون هذا بسبب نقص الكالسيوم، فبت أشرب من الحليب لتر كامل يوميا، حتى أساعد نفسي وأساعدك به.. خفت الحمد لله هذه الآلام كثيرا، ولا تعود إلا على فترات متقطعة عندما أهمل شرب الحليب ليومين او أكثر أو عندما أبذل مجهودا أكبر متخيلة أني سوبر وومن، والحقيقة أني لست كذلك يا عزيزتي..

نعم أقول لك يا عزيزتي، في المرة الأخيرة قالت لي الطبيبة أنك على الأغلب فتاة، وهو ما أكده "عمو مجدي" عندما أصر على عمل سنار لي في الفيوم، أنا وأبوك كنا نريدك فتاة، أنا أحلم بصاحبة صغيرة تشاركني التوك والمكياج والالوان والفساتين والمانيكيير والحكايات والرغي والنميمة، وهو يحلم بالكثير من الدلع الـ رايح جاي J

عندما بدأ الشهر الخامس وبدأت رسائل متابعة نموك -والتي أتلاقاها من مواقع الكترونية مختلفة- تخبرني بأنك تستطيعين الآن سماع ما حولك، وأنك تطورين قدرتك على تمييز صوتي والتعرف عليه، انتابتني حيرة كبيرة! ماذا أخبرك؟ ماذا أحكي لك؟ ماذا نغني؟ فأصبحت اقضي وقتا طويل في المسح على بطني وأنا أعرف أن ربتي يصلك، في صمت دون كثير كلام..

مع الوقت اصبحت احكي لك ما افعله، أقف في المطبخ فأشرح لك لماذا أضيف القرفة لصينية البطاطس، كم فص ثوم يناسب صنع فتة متنينة، وأخبرك أني لا أحب اللحم ولا الدجاج، ولكني أتناولهم لأحافظ على صحتك وصحتي بمنأى عن الوهن والمرض..
نفكر في تسميتك "بهية"، لا أخفيك لم يستحسن الاسم معظم من سمعه، لكننا نحبه معنى ورمزا، ولهذا السبب نقوم بتشغيل غنوة الشيخ إمام بشكل متكرر "مصر يا أمه يا بهية"، وأنت ترقصين معها في رحمي كما ترقصين مع غيرها، واذا اشتد ركلك، أقول لأباك: "البنت دي هتكون ثورية.."، وأنا أردد في سري بوجل وخوف "ربنا يستر.. ربنا يحفظ".

نحن الآن في العشر الأواخر من رمضان، كنت أرتبك في وقت الإفطار ولا أعرف ما الدعوة المناسبة التي أطلبها من الله؟؟ في الأيام الأولى كان الدعاء لأبي بالرحمة هو الشيء الوحيد الذي يسيطر على خيالي!، بعد أيام أخبرني "عمو مجدي" أن المياه حولك كثيرة، وعندما بحثت على النت أزعجني وأفزعني كثيرا أن يكون بك ضر، هلعت في الحقيقة، وتوالت علي الكوابيس لعدة أيام متتالية، ربما لم ينقذني من الكوابيس هذه إلا ترديدي في كل وقت وحين : "اللهم إني أستودعك ما في رحمي فرده إلى عند ولادته سالما معافى تام الخلقة دون زيادة أو نقصان.." .

بدأت أكثر في معرفة ما أريده من الله فيك، فصرت ألح عليه أن : "اللهم اجعله من الصالحين المصلحين، واكتبه من السعداء في الدارين، واجعله من المحبوبين في الأرض والسماء..".

عندما أتحدث معك، أقول لك أني أريدك فتاة قوية، صالحة، وذكية، وخفيفة الدم.. وصديقتي قبل كل شيء.


اللهم استجب.. اللهم استجب.

الاثنين، 9 مارس 2015

هواجس

يا تفاحة..

اصبحت أمك هذه الأيام فريسة سهلة للهواجس بكل أنواعها وأحجامها، أنا أقضي وقت ليس ببسيط أمام المرآة أفكر أني سأسمن -وقد بدأت بالفعل- وأن شكل جسمي لن يعود أبدا لما كان عليه، وأن علامات التمدد ستترك آثارها على أجنابي وخصري، وأن ملابسي معظمها لن يعود مناسبا.. وأستدعي كل الصور النمطية للأمهات المستسلمات لطلبات العيال والبيت والزمن.. وأشعر بالشفقة عليهن وعلى نفسي، نعم أنا التي اعتدت أن أسخر من قوالب الأمهات النمطية، ومن الخوف المفرط على صورة الجسم.. أصبحت تطاردني نفس الأشباح.


أصبحت فريسة سهلة للهواجس كلها.. فاغمريني بحب يكفي لنسيان كل هذه الهواجس وتجاوزها والغرق فيكِ بدلا من الغرق فيها..

تحت تأثير الهرمونات

تخيل معي..

أنا أجلس الآن على كرسي الأنتريه في إضاءه هادئة ورائعة وأفتح اللاب وأنا آكل برتقالة، ثم أبدأ في البكاء، احزر لماذا أبكي الآن؟
أبكي لأني أشعر بالجوع وأريد أن يكون أمامي في هذه اللحظة مائدة طويلة عليها مكرونة رائعة بالمشروم والصوص الأبيض، وخضار سوتيه، وشوربة بروكلي أو كريمة دجاج على أقل تقدير، وكفتة بطاطس أو سبرنج رول أو كلاهما كمشهيات ولا بأس بطبق صغير من ورق العنب على سبيل الـ "نقنقة"، وصنفين أو ثلاثة من الحلويات، يفضل أن يكون أحدهما كريم كراميل، والآخر تارت بالكاستر والفاكهة..

الأزمة التي تبكيني أنه نظريا وعمليا يستحيل أن تعد مائدة مثل هذه نفسها أمامي الآن! بالإضافة إلى أني لا أجد أي طاقة بدنية أو نفسية للوقوف في المطبخ وصنع الطعام (خاصة وأن أكوام المواعين تقفز بصورتها الحقيرة إلى ذهني كلما فكرت أني على باب المطبخ).

ألا يستحق الأمر بكاء طويلا ومريرا وصادقا من القلب يا تفاحة؟

أقول لنفسي سأكتفي بالأشياء المتاحة: زبادي، بقسماط، عصير، برتقال، موز.. وسأشبع بعد قليل.

ثم أبدأ نوبة جديدة من البكاء لأني أريد بطاطس مخبوزة بصوص زبادي وزعتر..

صحيح أنه لا جديد في حبي للأكل، ولكن هذا البكاء يجعلني أشفق على نفسي وأصف نفسي بالمعتوهه قرابة الألف مرة يوميا، ثم أعود في اللحظات التي أكف فيها عن البكاء أربت على روحي وأقول لا بأس، أعرف أنها الهرمونات، كل هذا سينتهي قريبا، سأستغل الوقت.. سأستمتع، ثم فجأة أشعر بالجوع من جديد.. أو أجد أن اللاب انتهى شحنه والشاحن في غرفة أخرى، فأقول في سري "أنا ما صدقت أربع رجلي ع الكنبة وافرد البطانية واحس اني حطيت كل حاجة حواليا عشان مقومش"، فأبدأ في نوبة جديدة من البكاء.

أنتهي منها وأقوم لأحضر الشاحن، فيفاجئني الغسيل يعتلي الكرسي ويكون شبح ليلي مهيب، فأحضر مناديلي وأجلس على الأرض في صمت، أفكر في وضعي البائس الحالك، وأني بحاجة إلى تدخل مؤسسات الإنقاذ للمساعدة في حالتي المذرية.

المدهش أنه هناك لحظات -رغم ندرتها النسبية- أشعر فجأة وبلا أدنى مبرر أني في قمة السعادة والنشاط والحماس، فأقوم فورا بتطبيق الغسيل وتشغيل غسلة جديدة، وأصنع الطعام، وأغسل تلال المواعين، وأنهي ما يتراكم من عمل.. والعدل ربما يكمن في أن كل هذا العمل في الحقيقة لا يستغرق أكثر من ساعة في اليوم..!

طلب يامن مني أمس أن نشاهد معا فيلما قبل النوم، فقلت له: "لا مش عايزة.. أنا هنام"، فأصر وردد طلبه مرتين أو ثلاثة بنغمات صوتية مختلفة في محاولة لإقناعي، كل الأمر كله محاولة منه لانتشالي من كآبتي، وكانت النتيجة أني وقفت على باب الغرفة أبكي وأنا أقول "أنا عايزة أنام في سريري" مصحوبة بنوبات نواح ونهنهة متواصلة.. لا بأس لا بأس.. إنها الهرمونات من جديد.

على كل حال.. أنا أكتب لك ليس فقط على سبيل الفضفضة والمشاركة، ولكني كنت أحاول أن ألهي نفسي عن التفكير في الطعام، ولكني أفكر في طبق المكرونة مع كل سطر.. فلا مفر.







الأربعاء، 4 مارس 2015

أول نظرة

مساء الخير يا تفاحة..

 رأيتك أمس للمرة الأولى في السونار، كنت نقطة صغيرة داخل كيس صغير متعلق في جدار رحمي، صدق الله عندما وصفها بـ"العلقة".

كنت سعيدة جدا عندما بدأت الطبيبة في الإشارة على مكانك، لم أعرف تحديدا هل كنت أضحك من سعادتي، أم لأن جهاز السونار كان "بيزغزغ"، أم لأن الطبيبة كانت تطلب مني أن أخلي رئتي من الهواء دون أن أشفط بطني حتى تستطيع التقاط صورة أوضح لك، وأنا لم أعرف أبدا كيف أفعل ما تطلبه! 

أشارت لنا الطبيبة في صورة خاطفة على نبضك السريع، أشارت ليامن على النبض فهز رأسه مبتسما، نقطة سوداء صغيرة داخل كيس.. وتنبض!

بدأ استيعابنا الحقيقي عندما هنأتنا الطبيبة وقالت لنا أنك بخير وفي أمان، وأن بإمكاني الآن أن أخرج، أذهب إلى عملي وأمارس حياتي بشكل طبيعي، وهو سبب إضافي لسعادتي الخاصة. الجلوس في البيت لفترة طويلة يجلب الاكتئاب، ليس هذا فقط، ولكنه أيضا يكون سببا في ضيق الأفق وزيادة المشاكل، ستفهم فيما بعد ما معنى أن يقف الناس لبعضهم "على الواحدة".. 

أفتقد بشدة الشاي والشاي باللبن!، أنا كارهة فكرة النظام الغذائي، أعيد ترتيب أولوياتي وأفكر قبل كل وجبة، أعتمد على الزبادي بشكل كبير، والبرتقال أيضا، يسألني الناس طوال الوقت عن أخبار الوحم، وأنا لا أعرف بم أجيب تحديدا؟ أشعر باضطراب معدتي على مدار اليوم، ولكنه لا توجد لحظة معينة أشعر فيها أني تحت تأثير الوحم! تقول أمي أنها لم يكن يلازمها الغثيان في شهور الحمل الأولى كما جرت العادة، وأني ربما أكون مثلها.. أتمنى لو أكون مثلها.


كلما فكرت في عبثية ما يحدث معي على مدار اليوم، تذكرت هذه النقطة النابضة.. وقلت لنفسي، الأمر يستحق.. أنت تستحق.


لا زلت عند وعدي، تشبث بي جيدا، كن قويا وعنيدا كما يليق بابن لهذا الزمان، وأنا هنا أساعدك ما استطعت.


أحبك.


الخميس، 26 فبراير 2015

رسالة 1: إلى بذرة التفاح

عزيزي/عزيزتي تفاحة:


أكتب إليك وأنا في الأسبوع الثالث أو الرابع من مشوارنا معا، لعلك تتسائل عن سبب مناداتي لك بالتفاحة، هذا لأن أول معلومة قرأتها عنك بعدما عرفت بحملي هي أنك في هذا العمر توجد في رحمي كبذرة التفاح، ولا أخفي عليك أنها كانت معلومة مضحكة جدا بالنسبة لي، وأن هذه الضحكات بسبب حجمك كانت مناسبة جدا لمزاجي المتغير والمتدهور بفعل الهرمونات.

سأصارحك يا تفاحة.. كنت أتخيل بداية أكثر رومانسية لنا معا، كنت أعتقد أني سأنهار من الفرح، وأني سأعد لأبيك مفاجأة خاصة، وليلة لا تنسى نحتفل فيها معا باستقبال خبر وجودك في رحمي، لكن ما حدث هو أنني هلعت كثيرا، واستقبلت الخبر –الذي كان مفاجأه- بالكثير من البكاء والهلع، ذلك أني كنت أخاف عليك لما بدا علي حينها من علامات تدهور قد تشي بفقدانك أو خطر عليك..

مر خمسة أيام الآن على معرفتي بوجودك، كل يوم أزداد ألفة وهدوءا وتصالحا مع وجودك داخلي، أقرأ أكثر عن نموك، وعن احتياجاتك من الطعام والشراب، امتنعت تماما عن الشاي والقهوة والمياه الغازية يا تفاحة. تخيل؟، الأمر ليس سهلا ويحتاج لكثير من المقاومة والإصرار، وربما الحب الذي أكنه لك فيما يطلقون عليه الأمومة! لن أكذب عليك، لا زلت لا أدرك تماما معنى هذه الأمومة، ولكني أفترض أن لها علاقة ما بقدرتي على البقاء في  المنزل منذ عرفت بوجودك حفاظا عليك وخوفا من أن تكون –وأنت في حجم بذرة التفاح المسكينة- غير قادر على التمسك جيدا بجدران رحمي نتيجة لفرط حركتي وكثرة خروجي وانفعالاتي المفاجأة، هل تعتبر يا تفاحة تضحيتي هذه كبيرة أم أنني أبالغ استمرارا لحالة الدهشة التي أمر بها منذ عرفت بوجودك؟ على كل حال أنا أبتكر لنفسي الخطط والتحديات أثناء فترة تواجدي في المنزل.. الوقت ليس بهذا السوء.

فرح أباك كثيرا عندما أخبرته بنتيجة اختبار الحمل، كان يتقافز وجهه من الضحك والابتسام والدهشة وعدم التصديق، لم أكن أشاركه الفرحة في نفس اللحظة لأني كنت قلقة عليك أكثر، كنت أشعر أنك تقاوم إجهادي لتتشبث بي.. أشكرك أنك صمدت، أنت قوي وأنا لن أنسى لك هذا أبدا يا تفاحة، قوي كما يليق بزمان كفاح وتخبط وبلاد مرار وخيبة.

أتناول يوميا عدد من المكملات الغذائية والفيتامينات التي تساعد على نمو جهازك العصبي هذه الأيام، وأنتظر بفارغ الصبر أن ينبض قلبك، قالوا أن هذا يحدث في الأسبوع السادس أو السابع، أعد لنفسي أيضا عدد من الوجبات الصغيرة الغنية بالخضروات والفواكه على مدار اليوم، أحسب في كل يوم، هل وفيت باحتياجك من الكالسيوم والبروتين والفيتامين؟ وأطمأن كثيرا عندما أوفق في هذا بأقل مجهود.

يشفق أباك علينا من ثقل المسئولية في وجودك، أنا أعذره تماما، ولكنه يجتهد، ولا يكف عن التفكير في تدبير الأفضل له ولنا معه، أنا أثق به تماما. أنظر إلى وجهه النائم إلى جواري وأشعر بالفخر، نحن نكبر معا، ننضج معا، نجتاز معا عقبات الحياة ومطباتها السخيفة يد في يد وكتف في كتف، واجهنا الكثير من التحديات من قبل، وانتصرنا معا عليها. أشعر أننا مستعدين الآن لنخطو خطوة أخرى معا، ومعك.. خطوة أهم وأكبر وأجمل.

يا تفاحة.. تشبث بي جيدا، وأنا سأساعدك قدر ما استطعت. أعدك.