الاثنين، 9 مارس 2015

هواجس

يا تفاحة..

اصبحت أمك هذه الأيام فريسة سهلة للهواجس بكل أنواعها وأحجامها، أنا أقضي وقت ليس ببسيط أمام المرآة أفكر أني سأسمن -وقد بدأت بالفعل- وأن شكل جسمي لن يعود أبدا لما كان عليه، وأن علامات التمدد ستترك آثارها على أجنابي وخصري، وأن ملابسي معظمها لن يعود مناسبا.. وأستدعي كل الصور النمطية للأمهات المستسلمات لطلبات العيال والبيت والزمن.. وأشعر بالشفقة عليهن وعلى نفسي، نعم أنا التي اعتدت أن أسخر من قوالب الأمهات النمطية، ومن الخوف المفرط على صورة الجسم.. أصبحت تطاردني نفس الأشباح.


أصبحت فريسة سهلة للهواجس كلها.. فاغمريني بحب يكفي لنسيان كل هذه الهواجس وتجاوزها والغرق فيكِ بدلا من الغرق فيها..

تحت تأثير الهرمونات

تخيل معي..

أنا أجلس الآن على كرسي الأنتريه في إضاءه هادئة ورائعة وأفتح اللاب وأنا آكل برتقالة، ثم أبدأ في البكاء، احزر لماذا أبكي الآن؟
أبكي لأني أشعر بالجوع وأريد أن يكون أمامي في هذه اللحظة مائدة طويلة عليها مكرونة رائعة بالمشروم والصوص الأبيض، وخضار سوتيه، وشوربة بروكلي أو كريمة دجاج على أقل تقدير، وكفتة بطاطس أو سبرنج رول أو كلاهما كمشهيات ولا بأس بطبق صغير من ورق العنب على سبيل الـ "نقنقة"، وصنفين أو ثلاثة من الحلويات، يفضل أن يكون أحدهما كريم كراميل، والآخر تارت بالكاستر والفاكهة..

الأزمة التي تبكيني أنه نظريا وعمليا يستحيل أن تعد مائدة مثل هذه نفسها أمامي الآن! بالإضافة إلى أني لا أجد أي طاقة بدنية أو نفسية للوقوف في المطبخ وصنع الطعام (خاصة وأن أكوام المواعين تقفز بصورتها الحقيرة إلى ذهني كلما فكرت أني على باب المطبخ).

ألا يستحق الأمر بكاء طويلا ومريرا وصادقا من القلب يا تفاحة؟

أقول لنفسي سأكتفي بالأشياء المتاحة: زبادي، بقسماط، عصير، برتقال، موز.. وسأشبع بعد قليل.

ثم أبدأ نوبة جديدة من البكاء لأني أريد بطاطس مخبوزة بصوص زبادي وزعتر..

صحيح أنه لا جديد في حبي للأكل، ولكن هذا البكاء يجعلني أشفق على نفسي وأصف نفسي بالمعتوهه قرابة الألف مرة يوميا، ثم أعود في اللحظات التي أكف فيها عن البكاء أربت على روحي وأقول لا بأس، أعرف أنها الهرمونات، كل هذا سينتهي قريبا، سأستغل الوقت.. سأستمتع، ثم فجأة أشعر بالجوع من جديد.. أو أجد أن اللاب انتهى شحنه والشاحن في غرفة أخرى، فأقول في سري "أنا ما صدقت أربع رجلي ع الكنبة وافرد البطانية واحس اني حطيت كل حاجة حواليا عشان مقومش"، فأبدأ في نوبة جديدة من البكاء.

أنتهي منها وأقوم لأحضر الشاحن، فيفاجئني الغسيل يعتلي الكرسي ويكون شبح ليلي مهيب، فأحضر مناديلي وأجلس على الأرض في صمت، أفكر في وضعي البائس الحالك، وأني بحاجة إلى تدخل مؤسسات الإنقاذ للمساعدة في حالتي المذرية.

المدهش أنه هناك لحظات -رغم ندرتها النسبية- أشعر فجأة وبلا أدنى مبرر أني في قمة السعادة والنشاط والحماس، فأقوم فورا بتطبيق الغسيل وتشغيل غسلة جديدة، وأصنع الطعام، وأغسل تلال المواعين، وأنهي ما يتراكم من عمل.. والعدل ربما يكمن في أن كل هذا العمل في الحقيقة لا يستغرق أكثر من ساعة في اليوم..!

طلب يامن مني أمس أن نشاهد معا فيلما قبل النوم، فقلت له: "لا مش عايزة.. أنا هنام"، فأصر وردد طلبه مرتين أو ثلاثة بنغمات صوتية مختلفة في محاولة لإقناعي، كل الأمر كله محاولة منه لانتشالي من كآبتي، وكانت النتيجة أني وقفت على باب الغرفة أبكي وأنا أقول "أنا عايزة أنام في سريري" مصحوبة بنوبات نواح ونهنهة متواصلة.. لا بأس لا بأس.. إنها الهرمونات من جديد.

على كل حال.. أنا أكتب لك ليس فقط على سبيل الفضفضة والمشاركة، ولكني كنت أحاول أن ألهي نفسي عن التفكير في الطعام، ولكني أفكر في طبق المكرونة مع كل سطر.. فلا مفر.







الأربعاء، 4 مارس 2015

أول نظرة

مساء الخير يا تفاحة..

 رأيتك أمس للمرة الأولى في السونار، كنت نقطة صغيرة داخل كيس صغير متعلق في جدار رحمي، صدق الله عندما وصفها بـ"العلقة".

كنت سعيدة جدا عندما بدأت الطبيبة في الإشارة على مكانك، لم أعرف تحديدا هل كنت أضحك من سعادتي، أم لأن جهاز السونار كان "بيزغزغ"، أم لأن الطبيبة كانت تطلب مني أن أخلي رئتي من الهواء دون أن أشفط بطني حتى تستطيع التقاط صورة أوضح لك، وأنا لم أعرف أبدا كيف أفعل ما تطلبه! 

أشارت لنا الطبيبة في صورة خاطفة على نبضك السريع، أشارت ليامن على النبض فهز رأسه مبتسما، نقطة سوداء صغيرة داخل كيس.. وتنبض!

بدأ استيعابنا الحقيقي عندما هنأتنا الطبيبة وقالت لنا أنك بخير وفي أمان، وأن بإمكاني الآن أن أخرج، أذهب إلى عملي وأمارس حياتي بشكل طبيعي، وهو سبب إضافي لسعادتي الخاصة. الجلوس في البيت لفترة طويلة يجلب الاكتئاب، ليس هذا فقط، ولكنه أيضا يكون سببا في ضيق الأفق وزيادة المشاكل، ستفهم فيما بعد ما معنى أن يقف الناس لبعضهم "على الواحدة".. 

أفتقد بشدة الشاي والشاي باللبن!، أنا كارهة فكرة النظام الغذائي، أعيد ترتيب أولوياتي وأفكر قبل كل وجبة، أعتمد على الزبادي بشكل كبير، والبرتقال أيضا، يسألني الناس طوال الوقت عن أخبار الوحم، وأنا لا أعرف بم أجيب تحديدا؟ أشعر باضطراب معدتي على مدار اليوم، ولكنه لا توجد لحظة معينة أشعر فيها أني تحت تأثير الوحم! تقول أمي أنها لم يكن يلازمها الغثيان في شهور الحمل الأولى كما جرت العادة، وأني ربما أكون مثلها.. أتمنى لو أكون مثلها.


كلما فكرت في عبثية ما يحدث معي على مدار اليوم، تذكرت هذه النقطة النابضة.. وقلت لنفسي، الأمر يستحق.. أنت تستحق.


لا زلت عند وعدي، تشبث بي جيدا، كن قويا وعنيدا كما يليق بابن لهذا الزمان، وأنا هنا أساعدك ما استطعت.


أحبك.